بدر شاكرالسياب... رحيل مع الغريب.. إياب مع المطر إلى كمان المعبد الغريق في ذكرى رحيله « الموت أهون من «خطيه» من ذلك الاشفاق تعصره العيون الاجنبية»
تعب الفارس واثخنته الجراح والتصق اللحم بالسرج ولكنه مازال مشرعاً رمحه حتى خر كنجم ، كشهاب ، فاستراح الجسد الواهن فأي شاعر كان هذا؟ وأي فارس هوى؟ وأي بصير؟ إنه بدر الذي آمن بالانسان في الايام العصيبة غنى الانسان في كل بقاع الدنيا وعاش طريداً في سبيله معذباً لواقعه، بدر الذي آمن أن الأدب رسالة انسانية يلتزم فيها الأديب قضايا مجتمعه في حلكة الدهر وضيقه.
يقف عاري الجبهة كالفجر وضاحاً وإن اثخنته حراب الطغاة فهو مستعد لرد الطعنات، طعنات أعداء بلاده ، أعداء الانسان الذين لا يتورعون عن بيعها.
حياته: 1926 - 1964
كان من شقاء بدر أنه ورث الضعف الجسماني عن أبيه فهو ضاو نحيل كأنه قصبه ، ركب رأسه المستدير كحبة الحنظل، على عنق دقيقة تميل إلى الطول وعلى جانبي الرأس أذنان كبيرتان وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدب متدرج أنف كبير يصرفك عن تأمله أو تأمل العينين الصغيرتين العاديتين، على جانبيه فم واسع تبرز الضبة العليا ومن فوقها الشفة بروزاً يجعل انطباق الشفتين فوق صفي الاسنان كأنه عمل اقتساري، وكان لافتقاره إلى الوسامة عامل كبير في شخصيته واضطرابها فهو يعيش أبداً باحثاً عن القلب الذي يفتح له حتى في نضاله وثورته وقد شهد السياب فترة خصبة غنية بالحوادث والاضطرابات والتغيرات وعاشها متمرداً ناقماً وثائراً معرضاًِ نفسه لألوان من الاضطهاد في جو ما كان ينفصل النضال فيه عن مواكبة التيارات الادبية.
وإن بدأ حياته الأولى متأثراً بعلي محمود طه و«ملاحه التائه» ومحمود حسن اسماعيل و«أغاني كوخه» إلا أنه انصرف إلى الواقعية ملتزماً قضايا الجماهير ويتغذى من موائد الشعر القديمة مع أبي تمام والمتنبي والمعري ويشد رحاله مع أبي ريشة وبدوي الجبل والجواهري. وما إن استوى عوده حتى حطم الشكل القديم للقصيدة العربية وخرج بها عن وحدة البيت إلى الشكل الحديث للشعر الحر وذلك بعد أن اكتملت له الأداة واطلع على الآداب الغربية وقرأ الشعر بالانكليزية بلغة شعرائه وتدرج في التجربة الحياتية بعد التخرج وكان أول قصيدة يخرج بها على الشكل القديم هي «هل كان حباً ؟» ثم بدأ رحلة التعرف إلى ادباء وشعراء الواقعية حيث يغنى تجربته وينتقل إلى معالجة المشكلات الاجتماعية والسياسية من خلال رؤية جديدة تستلهم القضايا بروح يشع التفاؤل والأمل دوماً بين ثناياها وهكذا تصدى للاقطاع والاستغلال والظلم والارهاب والانسان والقوم وقضايا المحبة والاخاء في اسلوب جديد بعيد عن التجريدية والتقريرية ، غني مفعم بالصور وفي انشودة المطر الجواب عن كل ما نريد.
غير أن المرض لم يترك الشاعر وكأنما عز عليه أن يراه يعود بعد الغربة في الكويت وايران معافى فبدأ يتسلل الشلل إلى جسده الواهن فيهده ويتحول الألم والندب إلى تفجع ذاتي وبكاء مرير (فالشاعر الذي بكى الجماهير وغنى ثورتها يندب الآن حظه وقد أحس الموت يتسلل في عروقه) عزز انتاجه وكثر ولكنه ظل يندب ذاته ويسجل آلامه بصدق واخلاص حتى دهمه الموت في 24/12/1964 .
- المؤثرات الادبية الخاصة والطابع العام لشعره:
بدأ السياب في ديوانيه «أزهار ذابلةو أساطير» متأثراً بعلي محمود ومحمود حسن والابداعيين بصورهم وألفاظهم ولكننا نرى الأمر يختلف في أنشودة المطر حيث الثقافة العربية الفنية التي امتزج فيها أثر أبي تمام والمعري مع ايليوت وستويل وشعراء الرمزية والواقعية والاشتراكية وإن كان تأثر السياب بلوركا لم يكن عمقياً لأن صوره كانت غريبة عن الواقع لما يغمرها من سمات سيريالية وهو يقتضي آثار الشاعرة البريطانية المبدعة ايديث ستويل في كثير من قصائده فمنها أخذ التقابل الرمزي بين السنبلة والذهب وصورة طائر الحديد وصورة الحياة السارية في عروق الكون «صيحة النسغ» ويترجم ويضمن لها ابياتاً في «من رؤيا فوكاي». وفي أنشودة المطر يظهر التقارب مع قصيدتها «أمطار نيسان» إلا أن ثقافته امتدت إلى كثير من ادباء العالم وشعرائه وصهر كل هذه الثقافة وتمثلها بروح عربية وحاول جاهداً أن يجعلها قريبة إلى القارئ العربي فأفلح في بعض وفشل في بعض آخر حيث اثقلت بعض القصائد كثرة الأساطير والرموز والتفريعات مما جعلها تبدو غريبة على الذهن العربي.
إلا أن ابداعه في كثير من قصائده يظهر لنا مقدرة هذا الشاعر على الانطلاق من أرض الواقع إلى عالم أرحب وأوسع حيث تحولت الرموز في كثير من قصائده إلى حياة نابضة دافقة كتموز وعشتار والمطر والاسلحة والاطفال ، تحول بها ومنها إلى العام الشامل في الوطن العربي والعالم ثم عاد بها إلى الذات الفردية في رحلة المرض الشاقة.
- الثورة في شعر السياب:
صحيح أن تجربة السياب ذاتية لكنها تنفد من خلال الحدث السياسي بل تنفلت منه إلى التجربة الانسانية الشاملة ، تجربة المسيح في صلبه وبعد الصلب تجربة تموز وعشتار وبهذا يخرج السياب عن الجدل الحدثي إلى تجربة البطولة الفدائية، ففي قرار الحركة الشعرية الجديدة فكرة بطولة الشاعر التي تتجاوز التحدي إلى التضحية.
وهكذا نجد أن السياب يكون على خير أحواله إجادة حين يستطيع أن يوحد بين أزمته الذاتية وأزمة أمته أو حين يجعل التجربتين غير متباعدتين فالسياب هنا يتخطى موقف الشعر التقليدي الذي يخص السياسة بقصيدة والمرأة بقصيدة فالقصيدة لديه تشكل موقفاً كاملاً من الحياة لأنه ينطلق من نظرة واعية وشاملة تنظم الحياة وتعي أسباب كل المشكلات وتعيدها إلى جذورها الاساسية وهو في نظرته للحياة لا يقف في نطاق المحلية بل يربط قضاياه الذاتية بالعراق والعراق والوطن العربي، ففي انشودته نجد التطابق الكامل بين ذاته ووطنه العربي (فالشعر أداة ثورية لتحرير الانسان والنهوض من كبوته وفتح عينيه على ما يعاني».
الحياة العربية وضروب الانفعالات التي تجتاحها من ضياع إلى استغلال وتمزق واضطهاد عانى منها الشاعر ولكنه خرج والأمل بالغد المشرق على شفتيه بسمة لأن قوى الشر زائلة فهي بلا جذور وهنا تظهر لنا مهمة الشاعر ، فالشاعر هنا سيزيف يحمل الصخرة ، يحمل هموم الأمة فهو مرشد ينير الطريق ومناضل يريد تحرير أرضه من الغربان والجراد ومن صور الظلم ، من الاقفال الموحدة والعيون المتلصصة.
- وعند بابي يصرخ المخبرون /وعر هو الطريق إلى الجلجلة/ والصخر يا سيزيف ما اثقله/ سيزيف إن الصخرة الآخرون/
إنها الشعب بكل همومه ولكنه لن يسقطها فقد التحم بشعبه وانصهر معه في نضاله ونميز الوجوه التالية في الثورة لدى السياب وهي الوجه السياسي والاجتماعي والقومي والانساني. وسنعطي لكل وجه ملامح تميزه وعيوناً يبصر بها الطريق.
الوجه السياسي :
تلاحمت في شعره الحياه بكل افعالها ووجوهها فهو يقف من الحياة موقفاً متكامل الجوانب غير جزئي ، و نستطيع ان نلتمس في شعره مأساة امته في وجوهها السياسية و الاجتماعية و القومية و الانسانية .
فتح الشاعر عينيه ليرى العراق و قد تحول الى سجن رهيب و بغداد الى قبر او مبغى و من بين الموتى و صور القبور يرتفع الأنين ، ها هي صورة الانسان العربي في المشرق الذي تغير كل شيء في عالمه حتى صار قبراً فالنور دجى ، و الشمس كرة جامدة و الدود ينخر في تلك الكرة و الناس اما جائعون يطلبون من لحمه الحي او اشقياءيريدون النور من عينيه او جواسيس يحذرونه من الصمود ، و لكن اصواتاً تجيء من عالم الشمس من المغرب العربي حيث تثور هناك الامة في « وهران » و هنا يقترب المخاض الذي سينثر الموتى .
من قاع قبري اصيح / حتى تئن القبور / من رجع صوتي و هو رمل وريح / هذا مخاض الارض لا تيأسي / بشراك يا اجداث حان النشور /
و هكذا ربط نضال المشرق العربي بمغربه و نعى على بغداد - التي تحولت الى عامورة - موقفها فهو يطلب منها ان تثور ، فالابراج و الاسوار ستتحطم و من نشار الدماء و من بين القبور المركومة فيها الضحايا و من ومضات الثورات المتلاحقة و من جوع الشعب ستنزل قطرات الخير و يعشب العراق و يتحرر الانسان العربي و هكذا نرى روحاً متفائلاً من بين الدماء يشع ليغسل المدينة و يطرها من دنسها فيستفيق الشعب
على رعشات دماء قطرة همست بها نسمة
لنعلم ان بابل سوف تغسل من خطاياها .
تعب الفارس واثخنته الجراح والتصق اللحم بالسرج ولكنه مازال مشرعاً رمحه حتى خر كنجم ، كشهاب ، فاستراح الجسد الواهن فأي شاعر كان هذا؟ وأي فارس هوى؟ وأي بصير؟ إنه بدر الذي آمن بالانسان في الايام العصيبة غنى الانسان في كل بقاع الدنيا وعاش طريداً في سبيله معذباً لواقعه، بدر الذي آمن أن الأدب رسالة انسانية يلتزم فيها الأديب قضايا مجتمعه في حلكة الدهر وضيقه.
يقف عاري الجبهة كالفجر وضاحاً وإن اثخنته حراب الطغاة فهو مستعد لرد الطعنات، طعنات أعداء بلاده ، أعداء الانسان الذين لا يتورعون عن بيعها.
حياته: 1926 - 1964
كان من شقاء بدر أنه ورث الضعف الجسماني عن أبيه فهو ضاو نحيل كأنه قصبه ، ركب رأسه المستدير كحبة الحنظل، على عنق دقيقة تميل إلى الطول وعلى جانبي الرأس أذنان كبيرتان وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدب متدرج أنف كبير يصرفك عن تأمله أو تأمل العينين الصغيرتين العاديتين، على جانبيه فم واسع تبرز الضبة العليا ومن فوقها الشفة بروزاً يجعل انطباق الشفتين فوق صفي الاسنان كأنه عمل اقتساري، وكان لافتقاره إلى الوسامة عامل كبير في شخصيته واضطرابها فهو يعيش أبداً باحثاً عن القلب الذي يفتح له حتى في نضاله وثورته وقد شهد السياب فترة خصبة غنية بالحوادث والاضطرابات والتغيرات وعاشها متمرداً ناقماً وثائراً معرضاًِ نفسه لألوان من الاضطهاد في جو ما كان ينفصل النضال فيه عن مواكبة التيارات الادبية.
وإن بدأ حياته الأولى متأثراً بعلي محمود طه و«ملاحه التائه» ومحمود حسن اسماعيل و«أغاني كوخه» إلا أنه انصرف إلى الواقعية ملتزماً قضايا الجماهير ويتغذى من موائد الشعر القديمة مع أبي تمام والمتنبي والمعري ويشد رحاله مع أبي ريشة وبدوي الجبل والجواهري. وما إن استوى عوده حتى حطم الشكل القديم للقصيدة العربية وخرج بها عن وحدة البيت إلى الشكل الحديث للشعر الحر وذلك بعد أن اكتملت له الأداة واطلع على الآداب الغربية وقرأ الشعر بالانكليزية بلغة شعرائه وتدرج في التجربة الحياتية بعد التخرج وكان أول قصيدة يخرج بها على الشكل القديم هي «هل كان حباً ؟» ثم بدأ رحلة التعرف إلى ادباء وشعراء الواقعية حيث يغنى تجربته وينتقل إلى معالجة المشكلات الاجتماعية والسياسية من خلال رؤية جديدة تستلهم القضايا بروح يشع التفاؤل والأمل دوماً بين ثناياها وهكذا تصدى للاقطاع والاستغلال والظلم والارهاب والانسان والقوم وقضايا المحبة والاخاء في اسلوب جديد بعيد عن التجريدية والتقريرية ، غني مفعم بالصور وفي انشودة المطر الجواب عن كل ما نريد.
غير أن المرض لم يترك الشاعر وكأنما عز عليه أن يراه يعود بعد الغربة في الكويت وايران معافى فبدأ يتسلل الشلل إلى جسده الواهن فيهده ويتحول الألم والندب إلى تفجع ذاتي وبكاء مرير (فالشاعر الذي بكى الجماهير وغنى ثورتها يندب الآن حظه وقد أحس الموت يتسلل في عروقه) عزز انتاجه وكثر ولكنه ظل يندب ذاته ويسجل آلامه بصدق واخلاص حتى دهمه الموت في 24/12/1964 .
- المؤثرات الادبية الخاصة والطابع العام لشعره:
بدأ السياب في ديوانيه «أزهار ذابلةو أساطير» متأثراً بعلي محمود ومحمود حسن والابداعيين بصورهم وألفاظهم ولكننا نرى الأمر يختلف في أنشودة المطر حيث الثقافة العربية الفنية التي امتزج فيها أثر أبي تمام والمعري مع ايليوت وستويل وشعراء الرمزية والواقعية والاشتراكية وإن كان تأثر السياب بلوركا لم يكن عمقياً لأن صوره كانت غريبة عن الواقع لما يغمرها من سمات سيريالية وهو يقتضي آثار الشاعرة البريطانية المبدعة ايديث ستويل في كثير من قصائده فمنها أخذ التقابل الرمزي بين السنبلة والذهب وصورة طائر الحديد وصورة الحياة السارية في عروق الكون «صيحة النسغ» ويترجم ويضمن لها ابياتاً في «من رؤيا فوكاي». وفي أنشودة المطر يظهر التقارب مع قصيدتها «أمطار نيسان» إلا أن ثقافته امتدت إلى كثير من ادباء العالم وشعرائه وصهر كل هذه الثقافة وتمثلها بروح عربية وحاول جاهداً أن يجعلها قريبة إلى القارئ العربي فأفلح في بعض وفشل في بعض آخر حيث اثقلت بعض القصائد كثرة الأساطير والرموز والتفريعات مما جعلها تبدو غريبة على الذهن العربي.
إلا أن ابداعه في كثير من قصائده يظهر لنا مقدرة هذا الشاعر على الانطلاق من أرض الواقع إلى عالم أرحب وأوسع حيث تحولت الرموز في كثير من قصائده إلى حياة نابضة دافقة كتموز وعشتار والمطر والاسلحة والاطفال ، تحول بها ومنها إلى العام الشامل في الوطن العربي والعالم ثم عاد بها إلى الذات الفردية في رحلة المرض الشاقة.
- الثورة في شعر السياب:
صحيح أن تجربة السياب ذاتية لكنها تنفد من خلال الحدث السياسي بل تنفلت منه إلى التجربة الانسانية الشاملة ، تجربة المسيح في صلبه وبعد الصلب تجربة تموز وعشتار وبهذا يخرج السياب عن الجدل الحدثي إلى تجربة البطولة الفدائية، ففي قرار الحركة الشعرية الجديدة فكرة بطولة الشاعر التي تتجاوز التحدي إلى التضحية.
وهكذا نجد أن السياب يكون على خير أحواله إجادة حين يستطيع أن يوحد بين أزمته الذاتية وأزمة أمته أو حين يجعل التجربتين غير متباعدتين فالسياب هنا يتخطى موقف الشعر التقليدي الذي يخص السياسة بقصيدة والمرأة بقصيدة فالقصيدة لديه تشكل موقفاً كاملاً من الحياة لأنه ينطلق من نظرة واعية وشاملة تنظم الحياة وتعي أسباب كل المشكلات وتعيدها إلى جذورها الاساسية وهو في نظرته للحياة لا يقف في نطاق المحلية بل يربط قضاياه الذاتية بالعراق والعراق والوطن العربي، ففي انشودته نجد التطابق الكامل بين ذاته ووطنه العربي (فالشعر أداة ثورية لتحرير الانسان والنهوض من كبوته وفتح عينيه على ما يعاني».
الحياة العربية وضروب الانفعالات التي تجتاحها من ضياع إلى استغلال وتمزق واضطهاد عانى منها الشاعر ولكنه خرج والأمل بالغد المشرق على شفتيه بسمة لأن قوى الشر زائلة فهي بلا جذور وهنا تظهر لنا مهمة الشاعر ، فالشاعر هنا سيزيف يحمل الصخرة ، يحمل هموم الأمة فهو مرشد ينير الطريق ومناضل يريد تحرير أرضه من الغربان والجراد ومن صور الظلم ، من الاقفال الموحدة والعيون المتلصصة.
- وعند بابي يصرخ المخبرون /وعر هو الطريق إلى الجلجلة/ والصخر يا سيزيف ما اثقله/ سيزيف إن الصخرة الآخرون/
إنها الشعب بكل همومه ولكنه لن يسقطها فقد التحم بشعبه وانصهر معه في نضاله ونميز الوجوه التالية في الثورة لدى السياب وهي الوجه السياسي والاجتماعي والقومي والانساني. وسنعطي لكل وجه ملامح تميزه وعيوناً يبصر بها الطريق.
الوجه السياسي :
تلاحمت في شعره الحياه بكل افعالها ووجوهها فهو يقف من الحياة موقفاً متكامل الجوانب غير جزئي ، و نستطيع ان نلتمس في شعره مأساة امته في وجوهها السياسية و الاجتماعية و القومية و الانسانية .
فتح الشاعر عينيه ليرى العراق و قد تحول الى سجن رهيب و بغداد الى قبر او مبغى و من بين الموتى و صور القبور يرتفع الأنين ، ها هي صورة الانسان العربي في المشرق الذي تغير كل شيء في عالمه حتى صار قبراً فالنور دجى ، و الشمس كرة جامدة و الدود ينخر في تلك الكرة و الناس اما جائعون يطلبون من لحمه الحي او اشقياءيريدون النور من عينيه او جواسيس يحذرونه من الصمود ، و لكن اصواتاً تجيء من عالم الشمس من المغرب العربي حيث تثور هناك الامة في « وهران » و هنا يقترب المخاض الذي سينثر الموتى .
من قاع قبري اصيح / حتى تئن القبور / من رجع صوتي و هو رمل وريح / هذا مخاض الارض لا تيأسي / بشراك يا اجداث حان النشور /
و هكذا ربط نضال المشرق العربي بمغربه و نعى على بغداد - التي تحولت الى عامورة - موقفها فهو يطلب منها ان تثور ، فالابراج و الاسوار ستتحطم و من نشار الدماء و من بين القبور المركومة فيها الضحايا و من ومضات الثورات المتلاحقة و من جوع الشعب ستنزل قطرات الخير و يعشب العراق و يتحرر الانسان العربي و هكذا نرى روحاً متفائلاً من بين الدماء يشع ليغسل المدينة و يطرها من دنسها فيستفيق الشعب
على رعشات دماء قطرة همست بها نسمة
لنعلم ان بابل سوف تغسل من خطاياها .