وأكملت جدتي أن الصبية البدوية كانت جميلة كصفصافة. طويلة كشجرة حور.. قوية كنخلة. لكن الحزن والأرق سكنا جسدها وروحها حين هجرها الحبيب على وجهها حثت التراب، وهامت في الليالي تنوح مواويلَ وشعراً.
ساهمة يوماً على شاطئ الفرات كانت. تأخذها الأفكار بعيداً، تضحكها وتبكيها. بحرقة تأوهت ومدت جسدها على رطوبة الرمل، غادرتها الشمس وتلاعب الهواء بذيل فستانها، عيناها غفلت أو غاب وعيها، والفرات يخالسها النظر، هام وجدا بقسمات وجهها البدوي، حين كشف الهواء عن ساقيها، ما قاوم احتضانها، قبلها احتواها بعذوبه ورقة، وتراجع للوراء، ومخجولاً توارى القمر خلف غيمةٍ شفيفة.
حين مسها الصبا ارتجفت. مبللة ثيابها، مكور بطنها مذعورة وقفت- حيرى تلفتت وسوى الرمل ما رأت إلا الفرات. في حضنه دفنت عارها وحزنها.. جنت مياهه -تعالى وتخافض. طفح وتخبط. محاولاً إنقاذها ومخذولاً عاد إلى مجراه.
صباحاً حين انتشر الناس يصطادون ويملأون الصفائح ويغسلون الثياب والصبايا (يفرطن) الحناء عن شعورهن. دهشوا لاخضرار المكان لتطاول أشجار الحور واصطفاف الصفصاف. لتسامق النخيل الذي لم يكن. إلى العراف الذي يفتح الكتاب ويقرأ الطالع ويفسر الغرائب ذهبواً// فتح: كتابة رطن ودمدم. حرق العود والبخور أغمض عينيه واستحضر الأرواح. ارّتعش وقال: إنَّ أنثى عاشقة قد أغرقت نفسها في الفرات وأن الفرات سيجن في اليوم الذي غرقت فيه من كل عام فاحذروه، ومن يومها يحذر لوثه الفرات من سمع كلام العراف فينجو، ومن لا يحذره يذهب غريقاً، وغداراً سموه ومجنوناً وصفوه وقال آخرون: من يومها صار من يغتسل بمياه الفرات يسكنه العشق أو الشعر وأجساد الصبايا تتناسق وتكتمل وتنبت عليها الأقمار وفي دمائهن تسري النجوم وتكتحل عيونهن وتتسع.
وقالوا: إن الحبيب الهاهر حين عاد بنى ضريحاً للحبيبة. أشعله بالورود وظلله بالنخيل وصار يزوره ليلاً يتشمم عطره، ويتمسح بأحجاره، ويغادره فجراً. طالت لحيتُه وأبيضت وكساه شعر رأسه. هجر الناس والنوم هجره، لم يعد يغادر ليلاً ولا نهاراً. صامتاً صائماً أبداً، قالوا: صار ولياً وذات صباح أغبر حار. ميتاً وجدوه.
أقاموا على جثمانه صرحاً صارت تزوره الأمهات لتقديم الشموع وطلب المراد وفك الكرب وفتح النصيب وبقليل من تراب المزار يخلطن الحناء للبنات.
27-7- 1998
ساهمة يوماً على شاطئ الفرات كانت. تأخذها الأفكار بعيداً، تضحكها وتبكيها. بحرقة تأوهت ومدت جسدها على رطوبة الرمل، غادرتها الشمس وتلاعب الهواء بذيل فستانها، عيناها غفلت أو غاب وعيها، والفرات يخالسها النظر، هام وجدا بقسمات وجهها البدوي، حين كشف الهواء عن ساقيها، ما قاوم احتضانها، قبلها احتواها بعذوبه ورقة، وتراجع للوراء، ومخجولاً توارى القمر خلف غيمةٍ شفيفة.
حين مسها الصبا ارتجفت. مبللة ثيابها، مكور بطنها مذعورة وقفت- حيرى تلفتت وسوى الرمل ما رأت إلا الفرات. في حضنه دفنت عارها وحزنها.. جنت مياهه -تعالى وتخافض. طفح وتخبط. محاولاً إنقاذها ومخذولاً عاد إلى مجراه.
صباحاً حين انتشر الناس يصطادون ويملأون الصفائح ويغسلون الثياب والصبايا (يفرطن) الحناء عن شعورهن. دهشوا لاخضرار المكان لتطاول أشجار الحور واصطفاف الصفصاف. لتسامق النخيل الذي لم يكن. إلى العراف الذي يفتح الكتاب ويقرأ الطالع ويفسر الغرائب ذهبواً// فتح: كتابة رطن ودمدم. حرق العود والبخور أغمض عينيه واستحضر الأرواح. ارّتعش وقال: إنَّ أنثى عاشقة قد أغرقت نفسها في الفرات وأن الفرات سيجن في اليوم الذي غرقت فيه من كل عام فاحذروه، ومن يومها يحذر لوثه الفرات من سمع كلام العراف فينجو، ومن لا يحذره يذهب غريقاً، وغداراً سموه ومجنوناً وصفوه وقال آخرون: من يومها صار من يغتسل بمياه الفرات يسكنه العشق أو الشعر وأجساد الصبايا تتناسق وتكتمل وتنبت عليها الأقمار وفي دمائهن تسري النجوم وتكتحل عيونهن وتتسع.
وقالوا: إن الحبيب الهاهر حين عاد بنى ضريحاً للحبيبة. أشعله بالورود وظلله بالنخيل وصار يزوره ليلاً يتشمم عطره، ويتمسح بأحجاره، ويغادره فجراً. طالت لحيتُه وأبيضت وكساه شعر رأسه. هجر الناس والنوم هجره، لم يعد يغادر ليلاً ولا نهاراً. صامتاً صائماً أبداً، قالوا: صار ولياً وذات صباح أغبر حار. ميتاً وجدوه.
أقاموا على جثمانه صرحاً صارت تزوره الأمهات لتقديم الشموع وطلب المراد وفك الكرب وفتح النصيب وبقليل من تراب المزار يخلطن الحناء للبنات.
27-7- 1998