رجـــــــــــــــــــــــــــــل
«أراد أن يكون رجلاً، هذا كل مبتغاه من الحياة»
بدأ المدرس بقراءة علامات التلاميذ بعد ملاحظة أن كل علامة بدرجة ضعيف يخرج صاحبها لينال عقابه.. وبعد أن انتهى من جميع الأسماء نظر خلفه فلم يجد سواه فقال: إنها رابع مذاكرة ومازالت علامة الصفر تلازمك ياأحمد
بقي أحمد ساكناً وعيناه لاتفارقان عيني المدرس، أمسك الاستاذ بالعصا وقال: افتح يديك حتى لاتكررها مرة أخرى.
قال أحمد: لن أفتح يدي ولاأريد البقاء في المدرسة ثم فتح الباب وخرج، لم يعرف لماذا فعل هذا ربما أراد أن يكون رجلاً.
فوجئ والده بتركه المدرسة، سأله السبب فبرره بأنه لايحب المدرسة ولم يخلق للعلم.
وبعد بضعة أيام كانت طبقات الشحم أو الزيت المختلفة تعلو ثيابه.. جلس في استراحة الغداء مع زملائه يتناولون طعامهم وبعد أن انتهوا جلسوا لشرب الشاي، عرض عليه أحد زملائه لفافة تبغ فرد عليه بتلقائية أنه لايدخن، فرد زميله ساخراً: أجل مازلت صغيراً على التدخين.. عقد حاجبيه ثم أخذ السيجارة وأشعلها، أخذ نفساً عميقاً ثم تتالت سعلاته فضحك الجالسون وقال أحدهم: ألم نقل لك انك مازلت صغيراً على التدخين.
ثم سحب نفساً جديداً وتحامل على نفسه ليخرجه دون سعال وثالثاً..
وبعد يومين كان أحمد يحمل علبة التبغ في جيبه أثناء العمل ويخفيها عن عيون أهله في المنزل.
فالدخان أحد مظاهر الرجولة البارزة وهو رجل.. وفي صباح أحد أيام «آب» الحارة سمع زملاءه يتناقشون على اعدادات سهرتهم اليوم واتفقوا أخيراً على الذهاب إلى «الجرداق» وهو مطعم يقع على ضفة الفرات تقدم فيه المأكولات والمشروبات بأنواعها.
طلب إليهم الذهاب معهم فرده أحدهم بقوله: مازلت صغيراً على هذا لكن هذا الكلام زاده اصراراً على الذهاب، وفي المساء كان يرتدي أبهى حلله وقد مشط شعره وسكب العطر بسخاء.
مر عليه أحدهم ثم تابعوا طريقهم دخلوا المحل، كان الهواء عليلاً رطباً مفعماً برائحة المعسل البحريني المنبعث من النراجيل، وقد انبعث صوت ناظم الغزالي من إحدى الزوايا ليزيد المكان روعة.
وجدوا زملاءهم قد جلسوا على إحدى الطاولات فأخذوا مكانهم، ثم جاءالنادل ليسألهم طلبهم فرد كبيرهم: اجلب لترين من العرق والمقبلات ثم نظر إلى أحمد وأردف وزجاجة مياه غازية.
انصرف النادل ليحضر الطلبات في حين قال أحمد: لست صغيراً حتى أشرب المياه الغازية بينما تجترعون انتم العرق.
«صحيح أنه لم يشرب أي مسكر من قبل، لكن ماداموا يستطيعون شربه فلم لايقدر هو».
أجابه زميله: العرق هو حليب السباع عندما تصبح سبعاً ستشربه. قال أحمد: بل سأشرب وأثبت لك أني سبع مذ ولدت. حضرت الطلبات وضعت الأطباق على المائدة تتوسطها زجاجة العرق وإلى جانبها دلو مُلئ بقطع الثلج.
ووضعت أمام أحمد زجاجة المياه الغازية فأزاحها جانباً ثم قدم قدحه لزميله الذي راح يملأ الكؤوس من الزجاجة ثم يكسرها بالماء لتأخذ لونها الأبيض الباهت المعروق ثم يضيف قطع الثلج فملأه وقدمه له.
أمسك بقدحه وهو يقول: أنا رجل نعم ثم غب بعمق، أحس بالنار تشتعل في جوفه ثم تقيأ واتسخت ثيابه بينما غرق زملاؤه بالضحك وأردف أحدهم: مازلت صغيراً، رد أحمد: بل سأشرب، وأمسك كأسه من جديد وشرب وشرب.. عاد تلك الليلة إلى البيت ثملاً مترنحاً لايعرف يمينه من شماله.
بعدها أصبح المشروب امراً يومياً فهو حليب السباع والسبع لا يستغني عن حليبه.
ولاتستغربوا إن رأيتم أحمد في السجن يوماً فالسجن للرجال وهو رجل.